تمـهـيد انطلاقا من التأكيد القرآني على وجوب المحبّة الثابتة والمودّة لأهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله و سلم عُرفت للذرّيّة النبويّة خلال التاريخ ألقـــاب عديدة خاصة بأبناء الإمام عليّ بن أبي طالب والسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنهما ، و ذرا ريهم دون غيرهم ، بدافع التكريم والمحبّة والتبجيل. وجاءت الأحاديث النبويّة الصحيحة من بعد ذلك لتعضد هذه المحبّة لأهل البيت الكرام ، ولترسّخ في نفوس المسلمين هذه المودّة الواجبة. من هذه الألقاب التي كانت تنمو و تتطور في الاستعمال اليومي عبر الأجيال والقرون: لقب الشريف (الأشـراف أو الشرفاء)، والسيّد (السادة أو السادات)، والنقـــيب (النقباء)، والأمير، وفي بلاد الهند بلفظ ( المير، والميرزا ) ، وكذلك ألقاب أخرى محدودة الاستعمال في الزمان والمكان، مثل: كيا وكاركيا، و ستي ، و لفظ الحبيب في بلاد اليمن ، و لفظ الشيخ ( الشيوخ) في بلاد الأتراك ، و كذلك لفظ ( تره - بضم التاء و فتح الراء و تسكين الهاء ) في بلاد بخارى. ومن الجلي أنّ لأفراد هذه الذرّيّة النبويّة المباركة تعابير أخرى يُعرفون بها، وهي تعابير عامّة شائعة تدلّ على شرف الانتساب و قدسيّة الأصل الذي صدروا منه، من قبيل: آل البيت، أهل البيت، آل طه، آل ياسين، آل محمّد، آل أحمد، آل الرسول، آل حم، ذريّة الرسول، سلالة النبيّ، الهواشم... وغيرها كثير ... مع التحفظ على بعض التسميات إذ لم تثبت أنها أسماء لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. الناظـر في عـلم الأنساب يجب أن يعـرف عشرة أمور و هي : الأول: قال الماوردي : إذا تباعدت الأنساب صارت القبائل شعوبًا والعمائر قبائل. يعني: وتصير البطون عمائر والأفخاذ بطونا والفصائل أفخاذا والحادث من النسب بعد ذلك فصائل. الثاني: قد ذكر الجوهري أن القبائل هي بنو أب واحد. وقال ابن حزم: جميع قبائل العرب راجعة إلى أب واحد سوى ثلاث قبائل وهي تنوخ والعتق وغسان فان كان كل قبيلة منها مجتمعة من عدة بطون . نقول : نعم الأب الواحد قد يكون أبًا لعدة بطون ثم أبو القبيلة قد يكون له عدة أولاد فيحدث عن بعضهم قبيلة أو قبائل فينسب إليه من هو منهم ويبقى بعضهم بلا ولد أو يولد له ولم يشتهر ولده فينسب إلى القبيلة الأولى. الثالث: إذا اشتمل النسب على طبقتين فأكثر كهاشم وقريش ومضر و عدنان جاز لمن في الدرجة الأخيرة من النسب أن ينتسب إلى الجميع فيجوز لبني هاشم أن ينتسبوا إلى هاشم وإلى قريش وإلى مضر وإلى عدنان فيقال في أحدهم الهاشمي ويقال فيه القرشي والمضري والعدناني بل قد قال الجوهري: إن النسبة إلى الأعلى تغني عن النسبة إلى الأسفل فإذا قلت في النسبة إلى كلب بن وبرة الكلبي: استغنيت عن أن تنسبه إلى شيء من أصوله وذكر غيره أنه يجوز الجمع في النسب بين الطبقة العـليا والطبقة السفلى ثم يرى بعضهم تقديم العليا على السفلى مثل أن يقال في النسب إلى علي بن أبي طالب االهاشمي العلوي وبعضهم يرى تقديم السفلى على العليا فيقال االعلوي الهاشمي. الرابع: قد ينضم الرجل إلى غير قبيلته بالحلف والموالاة فينتسب إليهم فيقال فلان حليف بني فلان أو مولاهم كما يقال في البخاري الجعفي مولاهم ونحوذلك. الخامس: إذا كان الرجل من قبيلة ثم دخل في قبيلة أخرى جاز أن ينتسب إلى قبيلته الأولى وأن ينتسب إلى القبيلة التي دخل فيها وأن ينتسب إلى القبيلتين جميعًا مثل أن يقال التميمي ثم الوائلي أو الوائلي ثم التميمي (عرفـاً ) ، و ما أشبه ذلك. السادس: القبائل في الغالب تسمى الأب الوالد للقبيلة كربيعة ومضر و الأوس والخزرج ونحو ذلك وقد تسمى القبيلة باسم أم القبيلة كخندف وبجيلة ونحوهما وقد تسمى باسم خاص ونحو ذلك وقد تسمى القبيلة بغير هذا وربما وقع اللقب على القبيلة بحدوث سبب كغسان حيث نزلوا على ماء يسمى غسان فسموا به كما سيأتي بيانه عند ذكر قبيلتهم في حرف الغين المعجمة إن شاء الله وربما وقع اللقب على الواحد منهم فسموا به وقيل غير ذلك على ما سيأتي ذكره فيما يقال بلفظ الجمع في الألف واللام مع الراء المهملة إن شاء الله تعالى. السابع: أسماء القبائل في اصطلاح العرب على أربع أضرب: أولها: أن يطلق على القبيلة لفظة الأب كعاد وثمود ومدين ومن شاكلهم وبذلك ورد القرآن كقوله تعالى: " وإلى عاد وإلى ثمود وإلى مدين " يريد بني عاد وبني ثمود ونحو ذلك وأكثر ما يكون ذلك في الشعوب والقبائل العظام لا سيما في الأزمان المتقدمة بخلاف البطون والأفخاذ ونحوهما. ثانيهما: أن يطلق على القبيلة لفظ البنوة فيقال بنو فلان وأكثر ما يكون ذلك في البطون والأفخاذ والقبائل الصغار لا سيما في الأزمان المتأخرة. ثالثهما: أن ترد القبيلة بلفظ الجمع مع الألف واللام كالطالبيين والجعافرة ونحوهما وأكثر ما يكون ذلك في المتأخرين دون غيرهم. رابعهما: أن يعبر عنها بآل فلان كآل ربيعة وآل فضل وآل علي وما أشبه ذلك وأكثر ما يكون ذلك في الأزمنة المتأخرة لا سيما في عرب الشام في زماننا والمراد بالآل الأهل. الثامن: غالب أسماء العرب منقولة عما يدور في خزانة خيالهم مما يخالطونه ويجاورونه أما من الحيوان كأسد ونمر وأما من النبات كنبت وخنظلة وأما من الحشرات كحية و حنش وأما من أجزاء الأرض كـفهر و صخر ونحو ذلك. التاسع: الغالب على العرب تسمية أبنائهم بمكروه الأسماء ككلب وحنظلة وضرار وحرب وما أشبه ذلك وتسمية عبيدهم بمحبوب الأسماء كفلاح ونجاح ونحوهما والمعنى في ذلك ما يحكى أنه قيل لأبي القيس الكلابي لم تسمون أبناءكم بشر الأسماء نحو كلب وذئب وعبيدكم بأحسن الأسماء نحو مرزوق و رباح. فقال: إنما نسمي أبناءنا لأعدائنا وعبيدنا لأنفسنا. يريد أن الأبناء معدة للأعداء فاختاروا لهم شر الأسماء والعبيد معدة لأنفسهم فاختاروا لهم خير الأسماء. العاشر: إذا كان في القبيلة اسمان متوافقان كالحارث والحارث وكالخزرج والخزرج وما أشبه ذلك واحداهما من ولد الآخر أو بعده في الوجود عبروا عن الوالد والسابق منهما بالأكبر وعن الوالد والمتأخر منهما بالأصغر وربما وقع ذلك في الأخوين إذا كان أحدهما أكبر من الآخر. عمود نسب النبي صلى الله عليه وسلم
وما يتفرع عنه من الأنساب أما عمود نسب النبي صلى الله عليه وسلم فعلى ما ذكره ابن إسحاق في السيرة وتبعه عليه ابن هشام: هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النظر ابن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أدد بن مقوم بن ناحور بن تارخ بن يعرب بن يشجب بن نابت بن إسماعيل ابن ابراهيم عليه السلام ابن تارخ وهو آزر بن تاخور ابن شارخ بن ارغو ابن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام بن لامك ابن متو شلخ بن أخنوخ وهو إدريس عليه السلام ابن يرد بن مهلائيل بن قنين بن يافت بن شيث بن آدم عليه السلام. والاتفاق على هذا النسب الشريف إلى عدنان وفيما بعد عدنان إلى إسماعيل عليه السلام فيه خلاف كثير يأتي ذكره في الكلام على نسب عدنان في حرف العين المهملة إن شاء الله تعالى بل قد منع بعضهم الرفع في النسب على عدنان تمسكًا بأنه ليس فيما وراء عدنان إلى آدم طريق صحيح كما صرح به النووي. قال القضاعي في عيون المعارف في أخبار الخلائف: وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تجاوزوا معد بن عدنان كذب النسابون ثم قرأ: " وقرونًا بين ذلك كثيرًا " ولو شاء أن يعلمه علمه وذكر التوزي في شرح الشقراطيسة: أنه صلى الله عليه وسلم كرر: كذب النسابون مرتين أو ثلاثًا قال: والصحيح أنه قول ابن مسعود. ويروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: إنما ننسب إلى عدنان وما فوق ذلك لا ندري ما هـو وعن عروة بن الزبير رضي الله عنه أنه قال: ما وجدنا أحدًا يعرف ما فوق عدنان وإسماعيل إلا تخرصا ويحكى عن الإمام مالك بن أنس رحمه الله أنه سئل عن الرجل يرفع نسبه إلى آدم عليه السلام فكره ذلك. فقيل له فإلى إسماعيل: فأنكر ذلك. وقال: ومن يخبر به! والذي عليه البخاري وغيره من العلماء موافقة ابن إسحاق على رفع النسب. أما ما يتفرع عن الأنساب عن عمود النسب النبوي فلا خفاء. |